التلاميذ... الأساتذة... القيمون.. إدارات المعاهد ووزارة الإشراف يقرون بتفشي العنف في الوسط المدرسي.. هي ظاهرة.. لكنها عرفت خلال السنوات الأخيرة تطورا ملموسا، فبعد أن كانت في السابق بين بعض التلاميذ تحولت الآن لتطال البعض من الأساتذة، حيث لا تمر سنة دراسية دون أن يسجل اعتداء مادي على جملة من الأساتذة... أما العنف مستواه المعنوي وأنواعه وتطوراته؟ فحدث عنه ولا حرج... حيث يشير العديد من الأساتذة أن ألفاظا جارحة وحتى سوقية باتت تتردد على مسامعهم في كل وقت وحين إلى درجة أنهم أصبحوا لا يبالون بها ولا يعيرونها اهتماما لكثرتها. فمن يقوم بهذا العنف على اختلاف أنواعه؟ وما هي أسباب تفشيه؟ وهل هناك مقاربة تربوية وتشريعية للحد منه؟
وماذا عن مستوى تفشي ظاهرة العنف
تفيد التشكيات لدى الإدارات المدرسية ووزارة التربية والتكوين ومجالس التأديب أن نسبة ارتفاع التجاوزات التي ينجر عنها عنف بين التلاميذ أو تستهدف الأساتذة والإطار الإداري من قيمين وغيرهم داخل المؤسسة التربوية قد تطورت بنسبة هامة..
وتتنوع هذه الظاهرة بين عنف مادي وآخر معنوي لتمثل ظاهرة استفزازية تسجل في كل يوم داخل المؤسسات التربوية... بل إن العديد من التلاميذ يتعرضون لها داخل ساحات المدارس وخارج المؤسسات التربوية مما نتج عنها تشاحن كبير بين التلاميذ والتلميذات... كما أن البعض من التلاميذ ولعل عددهم قليل باتت تسول لهم أنفسهم في بعض الحالات تعنيف الأساتذة كلما لم يستسيغوا تمرينا او وجهت لهم ملاحظة حادة وهم بين زملائهم..
ويشار أيضا إلى إن ظاهرة العنف كثيرا ما تنجر عن حقد دفين بين التلاميذ لأسباب تافهة وكذلك بينهم وبين الأساتذة سواء لأسباب تربوية أو سلوكية يرفضها الإطار التربوي ويعترض عليها على اعتبار أنها لا تمثل سلوك تلميذ أو تلميذة جاء لتلقي الدرس في مؤسسة تربوية تخضع لقوانين وشروط ولها حرمتها التي ترفض بعض السلوكيات.
تنطع.. استخفاف ومظاهر تكتلات
ويصف الوسط التربوي من أساتذة وإدارات وقيمين ظاهرة العنف بأنها ضرب من التنطع الذي يقوم بها التلاميذ والتلميذات على حد السواء... كما أن الوسط التلمذي ابتلي بظاهرة تكتلات تظهر في شكل مجموعات بين التلاميذ، ينجر عنها لا تنافس في الدراسة، بل في العبث و ركوب الرؤوس حول العلاقات فيما بينهم، والتظاهر والتنافس حول من يستخف أكثر بالحياة التربوية ويبدي أنواعا من التجاوزات حتى مع الأساتذة. ولعل الغريب في هذه السلوكيات أنها تأخذ طابع التجني على الغير، والمضايقات حتى للتلاميذ والتلميذات النجباء، وكذلك للعدد الكبير من التلاميذ والتلميذات الذين يلتزمون بالاستقامة ولا يجارونهم في تلك السلوكيات. كما أن هذه المظاهر طالت حتى الأساتذة داخل القسم وخارجه. فالويل للأستاذ الجاد الذي لا يحابي، أو الذي يقيم التلاميذ حسب مجهوداتهم أو الذي لا يسمح بالتسيب، فدرسه لا يمر دون مشاكل، أما بالنسبة للوسط الإداري فإنه يكون عرضة للاستخفاف به وبملاحظاته والتحرش به كلما أبدى ملاحظة حول لباس خليع أو غير محترم وكلما تلكأ بخصوص وصل الدخول إلى القسم بعد غياب هذا التلميذ أو ذاك. ولعل الغريب في الأمر أن استنباط مظاهر التسيب والذرائع التي تحبك نتيجة الغياب أو افتعال المشاكل ورميها على الغير، قد عمت نسبة هامة من التلاميذ مما نتج عنها أنواع من التعقيدات قد لا تتوصل إدارات المعاهد إلى فهمها، خاصة نتيجة ما يحصل من تضامن بين التلاميذ وتهديد البعض منهم للآخرين.
أسباب مظاهر العنف وهذه السلوكيات بين التلاميذ
أشار أحد القيمين العامين بمؤسسة ثانوية كبرى بالعاصمة والذي أصر على عدم ذكر اسمه أن هناك جملة من العوامل الداخلية والخارجية عن الوسط التربوي التي فسحت المجال لظهور هذا العنف بنوعيه المادي واللفظي... ففي بُعد أول أبرز أن تراجع الإحاطة بالتلاميذ داخل المؤسسة مثل عاملا في تفشي أخلاق بينهم يمكن القول عنها أنها سوقية، ولا تمت للحياة التربوية بصلة. وهذا التراجع يتمثل في التخلي عن بعض الأساليب في سير المؤسسات مثل خلو نسبة 80% من المعاهد من قاعات مراجعة تجمع التلاميذ وتحميهم من الاختلاط ببعضهم في الفضاءات أمام المعاهد، كما أكد على أن دور القيم قد تراجع بشكل ملحوظ، ولم يعد ذلك المربي الذي يرصد حركة التلاميذ ويتصدى للمخطئ منهم في الحين، أيضا وعلى مستوى القوانين الزجرية التي تحكم حياة التلميذ أبدى السيد محمد. ع (قيم) إشارة إلى أن التلميذ أصبح سيد الموقف بعدما سمحت القوانين بعدم عقابه البدني، وحتى تأنيبه. كما أن الإدارة حتى بمديرها باتت عاجزة على أي قرار أما م مظاهر التدخلات. كما أن الولي وأمام جملة هذه القوانين بات يرفض أية عقوبة تسلط على ابنه، بل ويتحدى قرارات الإدارة ويرفض حتى الاتصال بها كلما وجهت له دعوة للحضور. ويؤكد هذا القيم أن هذا التساهل مع التلاميذ فهم خطأ ولم يعكس الهدف من ورائه والذي هو حضاري ومرتبط بتطور المجتمع وبحقوق الفرد داخله وبتطور مجالات الحياة. ولذلك فقد وقع استغلال جملة القوانين التي تحكم الحياة المدرسية خطأ وبدا أن تطور العلاقة في الوسط التربوي زادتها تعقيدا.
ويضيف قوله «إن الأساليب التربوية والبداغوجية المعتمدة حاليا والتي بان بالكاشف ضعفها وانعكاس ذلك على مستوى التلاميذ وجهت اهتمامهم إلى وسائل الاتصال الحديثة من فضائيات وانترنات وهاتف جوال وغيرها، وهو ما جعلهم يتابعون مظاهر عنف وتفسخ من مجتمعات أخرى وحتى أنواع من ضروب التزمت والانكماش والانغلاق مما انجر عنه هذا التصادم وهذا الانبتات ورفض الواقع المدرسي وحتى الاجتماعي الذي يعيشون داخله، ويبدون نوعا من التطاول على الجميع، وصل حد العنف.. وهذه الصورة التي لا يخلو منها أي معهد تقريبا قد غذاها أيضا مظهر انسلاخ الوسط العائلي أي الأولياء من متابعة أبنائهم في حياتهم المدرسية اليومية وعدم مراقبتهم بشكل متواصل ودقيق.
الزمن الخارجي.. الفراغ .. وحرمة المؤسسات التربوية
وفي حوصلة لمظاهر العنف داخل الوسط التربوي واستخفاف بعض التلاميذ بالحياة المدرسية أفاد أحد متفقدي التعليم الثانوي أن الأمر يتعلق أيضا بفراغ الزمن الخارجي للتلاميذ.. وأكد أن ظاهرة انتصاب بعض الفضاءات من مقاه وغيرها تبث السموم بما تعرضة من مادة... وتجمع التلاميذ أمام المعاهد في فترات ما بين الدروس، واندساس بعض الغرباء بينهم والباعة المتجولون الذين يعرضون أنواعا شتى من إغراءات المأكولات والسجائر وكذلك الفراغ الحاصل في استغلال هذا الزمن الخارجي وبعث روافد تربوية وثقافية من طرف السلط قرب المؤسسات التربوية مثل جميعها عوامل لظهور مثل هذه المظاهر من العنف والسلوكيات الغريبة في الوسط التلمذي.